من هو سي السيد الحقيقي في ثلاثية نجيب محفوظ؟!.

  • أدب
  • أكتوبر 28, 2024

محمد حسن حمادة

في هذه المقال نحاول أن نميط اللثام عن أهم شخصية أدبية في كتابات أديب نوبل نحيب محفوظ بل أهم شخصية أدبية في تاريخ الأدب العربي الحديث التي تركت بصمة في حياة المصريين والعرب منذ ظهور الثلاثية (بين القصرين، السكرية، قصر الشوق) طغت شخصية “سي السيد” على ماعداها، حتى وصفها البعض بأنها: مثال حي للرجل الشرقي في القرن الماضي”.

لكن السؤال الأبرز من أين استلهم نجيب محفوظ هذه الشخصية المتفردة التي تجمع الضدين؟!. تكهن البعض بأن هذه الشخصية حتما والد نجيب محفوظ.

توجه الناقد رجاء النقاش رحمه الله بهذا السؤال بشكل مباشر لنجيب محفوظ فنفى على الفور هذا الكلام جملة وتفصيلا في كتاب “صفحات من مذكرات نجيب محفوظ”. وقال أن: والده هو “عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا، من مواليد 1870، وتوفي عام 1937، فقد كانت شخصية والدي تتحلى بقدر كبير من التسامح والمرونة والديمقراطية، وليس فيها استبداد أو عنف، ولا علاقة لها بشخصية “السيد أحمد عبدالجواد” بطل الثلاثية”. ثم كشف لنا محفوظ في نفس الكتاب: أنه استلهم شخصية “سي السيد” من جار شامي الأصل اسمه “عم بشير”، استقر هو وزوجته (وهي شامية أيضا) في مصر، وكان بيته مواجها لبيتنا في بيت القاضي، بشير كان رجلا طيبا إلا أنه جبارا، وكان يعامل زوجته بقسوة، لدرجة أنها كانت تأتي لوالدة نجيب محفوظ الحاجة “فاطمة” باستمرار تشكو من سوء معاملة الزوج. 

وخلال بحثي عن شخصية “سي السيد” عثرت على كنز ثمين، حوار صحفي نادر مع الحاج محمد “ابن سي السيد” الحاج أحمد عبد الجواد الحقيقي يفجر لنا مواجهة من العيار الثقيل مع نجيب محفوظ وينفي جملة وتفصيلا الصورة الدرامية التي صدرها نجيب محفوظ عن والده فيقول: “سي السيد” الحقيقي اسمه عبد الجواد محمد سعيد، ولد عام 1905 في درب الأتراك الذي تغير اسمه لشارع الشيخ محمد عبده خلف الجامع الأزهر بالقاهرة وكان يعمل بالعطارة، أما والده فقد تزوج من تسع نساء أنجبت له ثلاث منهن، فكان “لسي السيد” أخ شقيق واحد أكبر منه بينما كان إخوته وأخواته لأبيه كثيرين في صعيد مصر حيث كان أبوه يسافر ليجلب بضاعته.


بدأ ” سي السيد” العمل مع والده في محل العطارة منذ أن كان عمره 12 عاما وكون سمعة طيبة حتى أصبح من أكبر تجار العطارة في الحسين ولا يزال المحل قائما ويحمل نفس الاسم ” البركة ” ويقع في شارع جوهر القائد
بحي الحسين بنفس مكانه منذ 160 عام ويديره الآن ابن “سي السيد” الحاج محمد عبد الجواد الذي ورث العطارة عن والده ويعاونه فيها أبناؤه سامح وإيهاب.

عاش سي السيد “الأصلي” في منزله الكائن بمنطقة الباب الأخضر أمام مسجد الحسين، وكان يفضل أن يرتدي الطربوش والجلباب البلدي الذي يتوسطه حزام من الحرير وقفطان ( لباس يشبه إلى حد ما ملابس طلاب وشيوخ الأزهر ) كانت تربطه صداقة بكبار الكتاب والفنانين، وكانت جلساتهم المفضلة إما في قهوة الفيشاوي أو في محل العطارة الخاص به، وعلى رأس هؤلاء الكاتب الكبير نجيب محفوظ وأنيس منصور والمخرج الكبير حسن الإمام ويوسف السباعي.

وعن تفاصيل اليوم العادي في حياة أسرة “سي السيد” الحقيقي يستطرد ابنه الحاج محمد: كانت حياتنا منظمة ودقيقة جدا، فكانت أمي تستيقظ مبكرا لتحضر لأبي طربوشه وتساعده في لبسه عند خروجه لصلاة الفجر ثم تبدأ في إعداد طعام الإفطار حيث كان أبي يعود ليفطر بعد الصلاة ونكون نحن قد استيقظنا أنا وأخواتي فنقف أمامه ويجلس إلى
(الطبلية) وكنت أجلس معه أنا والبنتان الصغيرتان أما أخواتي الكبيرات فكن يأكلن بعده مع أمي لانشغالهم في أعمال البيت (مش لأنه كان بيمنعهم زي ما قيل في الفيلم والرواية) وبعد الإفطار كان يذهب ليفتح الدكان وبعد الظهر كان يعود الى البيت لتناول طعام الغداء وبعد الغداء كان ينام ساعة أو ساعتين ثم يستيقظ ليعود إلى المحل ولم أكن أراه عند عودته ليلا “.

لكن المفاجأة الأكبر كانت في مواجهة الحاج محمد ابن “سي السيد” الحقيقي مع نجيب محفوظ وجها لوجهه فيؤكد الحاج محمد:
عاتبت نجيب محفوظ لوصفه أبي بهذه الصفات البعيدة كل البعد عن أبي فقد كان والدي رجل صالح ورع، دائما ما يعقد حلقات الذكر داخل محل العطارة الخاص به حتى منتصف الليل ويحضر هذه الحلقات كبار العلماء
والشيوخ في مصر مثل الشيخ محمد أبو الليل وهو من علماء الأزهر الشريف والمقرئين أمثال الشيخ البهتيمي والشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ طه الفشني والشيخ محمد الفيومي المنشد الديني والشيخ محمود عبد الحق
والشيخ عبد الباسط عبد الصمد”.


ثم يردف ابن “سي السيد” الحقيقي ويقول: أنه لا ينكر أن والده اتسم بالحزم والشدة والقسوة في بعض الأحيان، وأنه…

Related Posts

  • أدب
  • نوفمبر 11, 2024
إطلاق كتاب ” التثقيف زمن التأفيف” للشيخة اليازية بنت نهيان

شهدت فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب، جلسة إطلاق كتاب «التثقيف زمن التأفيف»، للكاتبة الشيخة اليازية بنت نهيان آل نهيان أول سفيرة فوق العادة للثقافة العربية لدى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو»، والصادر عن دار ديوان للنشر؛ بحضور الدكتورة حمده الحمادي، مدير إدارة الآداب والهوية الوطنية وزارة الثقافة والشباب، ومروة العقروبي، المديرة التنفيذية لبيت الحكمة، وأحمد القرملاوي، مدير دار ديوان للنشر، وعدد من الكتاب والمسؤولين في المؤسسات الثقافية والتعليمية، وأدارها الروائي الدكتور حسن كمال. وخلال الجلسة طرح الدكتور حسن أسئلة حول الأبعاد الشخصية التي أسهمت في تشكيل أسلوب الكتاب وخصوصيته مثل: تأثير خلفيتها الثقافية والإبداعية والفنية، والكتب التي قرأتها وتركت أثراً عليها، إلى جانب أسلوب الكتاب في عرض القضايا التي تناولها حيث يطرح بعضها للتفكير ويقدم حلولاً لبعضها الآخر. بدوره، قال أحمد القرملاوي، مدير دار ديوان للنشر: «نجح الكتاب في الإجابة عن أسئلة العصر بأسلوب يجمع بين الفكر والجمال البصري، وإنني كقارئ، أحب هذا النوع من الكتب، التي يصعب تصنيفها، فهي تتجاوز القوالب التقليدية؛ إذ لا يُحلِّق خارج السرب، لكنْ فوقه بأمتار، يراقب السرب، ويستشرف مَساره، بل ويخشى عليه، فكاتبته مهمومة بالمجتمع، باللغة كأداة للتواصل الاجتماعي، بالإبداع الذي يستلهم من الثقافة والموروث، وبالعادات والتقاليد التي تعكس الثوابت والقيم المتوارثة، والتي تُعد الأكثر قيمة في ممتلكاتنا، وهي ما يحدد موقعنا من العالم». وناقشت الجلسة مجموعة من المواضيع المحورية، مثل اختيار عنوان وغلاف الكتاب، إلى جانب استعراض عدد من العناوين العريضة التي ركز عليها، كالانفتاح الثقافي، وديناميكية اللغة، ومصطلح الرياء الثقافي، فواتير المبدعين، الشاعر طرفة بن العبد، علم الأنساب، الأصالة والتطور، دولاب…

  • أدب
  • أكتوبر 28, 2024
اكتشاف نقوش هيروغليفية على مقام إبراهيم عند الكعبة

وهل هذه النقوش تحمل اسم الله الأعظم الذي تستجاب به الدعوات؟ محمد حسن حمادة في كتاب: (أخبار مكة) للمؤرّخ الفاكهي مؤرخ مكة المكرمة (ت بعد 272هـ/885م) يسجل فيه وجود كتابات على مقام إبراهيم عليه السلام عند الكعبة بالخط الهيروغليفي، تم اكتشافها بالصدفة المحضة وقت ترميم المقام عام 256هـ/870م حيث وجدوا كتابات حاروا في قراءتها في “كتاب بالعبرانية ويقال بالحميرية، وهو الكتاب الذي وجدته قريش في الجاهلية”. المؤرخ الفاكهي كان شاهدا على هذه الواقعة فدعونا نقرأ أصل الواقعة كما دونها في كتابه (أخبار مكة) (1 / 476 – 481) حيث قال رحمه الله تعالى: “وقد كان المقام في سنة إحدى وستين ومائة، وعلى مكة جعفر بن سليمان، قد وَهِيَ، فذهب الحجبة يرفعونه فانثلم، وذلك أن المقام حجر رخو يشبه الشنان في المنظر، وهو أغبش ومكسره مكسر الرخام الأبيض، فخشوا أن يتفتت أو يتداعى، فكتبوا إلى أمير المؤمنين المهدي، فبعث إليه بألف دينار أو أكثر، فضببوا بها أعلى المقام وأسفله، وهو الذهب الذي كان عليه إلى خلافة أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله، ثم أمر به أمير المؤمنين جعفر أن يجعل عليه ذهب فوق ذلك الذهب، ويعمل أحسن من ذلك العمل، فعمل في مصدر الحاج سنة ست وثلاثين، فعمل ولم يقلع عنه الذهب الأول، فلم يزل ذلك الذهب حتى كان زمن الفتنة في سنة إحدى وخمسين ومائتين، فأخذ جعفر ابن الفضل، ومحمد بن حاتم فضرباه دنانير وأنفقاه على حرب إسماعيل، فيما ذكروا وبقي الذهب الذي عمله المهدي أمير المؤمنين، فلم يزل عليه حتى دخلت سنة ست وخمسين ومائتين، ثم ولي مكة علي…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أخبار لم تقرأها

وفاة 8 وإصابة 12 في حصيلة أولية في تصادم قطار مع ميني باص .. الدفع بـ 13 سيارة إسعاف إلى موقع الحادث

  • مارس 13, 2025
وفاة 8 وإصابة 12 في حصيلة أولية في تصادم قطار مع ميني باص .. الدفع بـ 13 سيارة إسعاف إلى موقع الحادث

طارق نور رئيسًا.. إعادة تشكيل مجلس إدارة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية

  • ديسمبر 10, 2024
طارق نور رئيسًا.. إعادة تشكيل مجلس إدارة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية

«8 سندوتشات فول وطعمية بـ 700 جنيه».. تامر حبيب يشكو ارتفاع الأسعار عبر تطبيقات توصيل الطعام

  • ديسمبر 8, 2024
«8 سندوتشات فول وطعمية بـ 700 جنيه».. تامر حبيب يشكو ارتفاع الأسعار عبر تطبيقات توصيل الطعام

عمرو أديب عن بشار الأسد: «70% من سوريا ضاع ولم نسمع له حتى فويس نوت»

  • ديسمبر 8, 2024
عمرو أديب عن بشار الأسد: «70% من سوريا ضاع ولم نسمع له حتى فويس نوت»

مدير «المرصد السوري»: هناك طائرة ستقلع من مطار دمشق الليلة ويتم التفاوض مع بشار الأسد للمغادرة

  • ديسمبر 7, 2024
مدير «المرصد السوري»: هناك طائرة ستقلع من مطار دمشق الليلة ويتم التفاوض مع بشار الأسد للمغادرة

وزير الخارجية يؤكد على أهمية الحفاظ على سوريا موحدة كخط أحمر في الاجتماع الوزاري بشأن دمشق

  • ديسمبر 7, 2024
وزير الخارجية يؤكد على أهمية الحفاظ على سوريا موحدة كخط أحمر في الاجتماع الوزاري بشأن دمشق